قيد الإنشاء - أنتم الآن في رحاب ملتقى الأدب الوجيز - قيد الإنشاء

الخميس، 5 مارس 2020

الومضة هي ضوء... 
إذاً الومضة هي قصيدة

  ميساء طربية

جريدة البناء - آذار (مارس) 5, 2020


يُعتبر الضّوء شكلاً من أشكال الطاقة الّتي تتكّوّن من أمواج كهرومغناطيسية، والمصدر الرئيس للضّوء على وجه الأرض، هو الشّمس1، والضّوء الّذي نراه بالعين المجردة هو طيف الأشعة الكهرومغناطيسيّة.
وتنشأ الموجة الكهرومغناطيسية، عندما يتمّ تسريع جسيم ذري أو دون ذري، مثل الإلكترون، بواسطة مجال كهربائي مما يؤدّي إلى تحركه، وتُنتج هذه الحركة مجالات كهربائية ومغناطيسية متذبذبة، وتنتقل متعامدة على بعضها البعض، ولها سرعة تُعرف بسرعة الضّوء2، وهي وحدة قياس في الفضاء الخارجيّ.

أما الالكترون، فهو جسيم دون ذريّ، يدور حول النّواة، وله شحنة سالبة، وأضف هو أصغر شحنة طاقة توجد في الطبيعة. وكذلك يتمتع الالكترون – بحسب فيزياء الكم– بطبيعة مزدوجة، يمكن لهذا الالكترون تحت ظروف معينة أن يتصرّف على أنّه جُسيم، ويمكن أيضًا تحت ظروف أخرى أن يتصرف على أنّه موجة، ولكن لا يمكن تحت أيّ ظرف أن يظهر أثناء سلوكه المزدوج لأنه شيء زلق. وفي حال كان سلوك الالكترون جسيمًا فيمكن رصده في المكان والزّمان، أما إذا كان سلوك الالكترون موجة فيرتبط تحديد موقع الالكترون بموجة من الاحتمالات اللامتناهية3.

فما هي العلاقة بين الضوء والومضة الأدبية؟

ما هي العلاقة الّتي تجمع الحركة المزدوجة للالكترون بحركة الومضة الأدبيّة؟

يجسد الضّوء الطاقة الطبيعية والمتجددة بالنّسبة الى الفيزيائيّ وكذلك بالنّسبة الى الشاعر، فهذه الطاقة هي مصدر الحياة بأكملها، وهي أيضًا الدافع والمحرّك لها وإليها، والضوء مصدره الشّمس، وتلك أيّ الشّمس تشكل مركزية الكون، والجاذب الأكبر لتطلعات الشّاعر وتساؤلاته الكبرى عن سرّ التّكوين والخلق وغيرهما..
أما الموجة (الكهرومغناطيسيّة) الّتي يتكوّن منها الضوء، فتتجسّد في الكتابة الأدبية – الإبداعية على شكل ومضة فهي تدخل في تكوين الضوء وهي أيضًا جزء منه، تتشكل هذه الموجة الأدبية من عقل (الكهرباء)، ومن قلب (المغناطيس)، ووفقًا لما ورد سابقًا بأن التقاء الكهرباء مع المغناطيس يشكل زاوية قائمة، هذا ما يعطي أهمية للعقل (الفكر، الثقافة، الوعي، الخبرات) كمحرك للقلب (العواطف كالفرح والحزن، المشاعر الإنسانية بثنائياتها) فتصبح بذلك موجة الاحتمالات (الّتي تتمتع بها الكلمة) منظمة وليست عشوائية.
من خلال ما سبق، تتكشّف خريطة طريق الومضة، فهي تبدأ بطاقة كبيرة ومتجددة ولانهائية وشاملة (الضوء)، تَشحن الومضة الابداعية، وتأتي الكلمة (الالكترون) نتيجة موجة التقاء بين العقل والقلب. وفي كلّ مرة يلتقي بها العقل مع القلب داخل موجة من الاحتمالات ضمن الكلمة الواحدة، هذا ما سيوصل الومضة إلى قراءات متعددة.
إن تركيبة الموجة هي التقاء بين العقل والقلب، والعقل هو الّذي يحرك القلب ويوجهه، هذا ما يجعل الومضة طاقة متجددة في كلّ زمان ومكان، لأن الحقل المغناطيسي أي القلب داخل الموجة هو جاهز في كلّ مرة إلى صعقة كهربائيّة من العقل (عقل المتلقي)، فتضيء الومضة من جديد.
يتبين أن الومضة بحسب رسم الموجة الكهرومغناطيسية، تأخذ شكل شمس مصغّرة، فالحقل المغناطيسي على شكل نواة والحقل الكهربائي يشكل خطوط الشعاع الضّوئي، مع كلّ التقاء يحدث اضطراب في الموجة.
سَخّر الإنسان الموجة الكهرومغناطيسية لاستخدامات تكنولوجية مثل: الراديو، والتلفاز، والهواتف، وتكنولوجيا الاتصال بين الأرض ورواد الفضاء، وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على أهميتها في حياتنا اليومية من جهة، ومن جهة آخرى استطاعت هذه الموجة أن تقلص المسافة بين الأرض والفضاء؛ والومضة الأدبية تحاكي بطبيعتها الموجة الكهرومغناطيسية، هذا ما يجعل الومضة حاجة أساسية من أجل مواكبة التطور.

أنموذج تطبيقيّ

من ديوان «ومضة»، الشاعر أمين الذيب

الومضة الأولى:

البحر

شظايا الدمع

امرأة نسيت بوحها

على الشاطئ

استنادًا إلى هذه الومضة، سأطبق عليها حركة الموجة الكهرومغناطيسية الّتي تحصل داخل الكلمات:
البحر: مياه، ملح، أمواج، حركة المد والجزر، أزرق، أسماك، أعشاب، هجرة، انتظار، حبّ، غدر، عمق، قعر، غرق، سفينة…
شظايا: حرب، قنبلة، انفجار، الحزن، معارك، الوجع، الألم، الفراق، العذاب، الانقسام، اتجاهات، أجزاء…
الدمع: مياه، ملح، حزن، سعادة، عين، رياح، لغة، أهداب، كلمات، تعبير، إشارة، أمطار، تساقط…
امرأة: أنثى، لغة، ثقافة، قصيدة، كلمة، ذكريات، ذاكرة، ورقة، حوريّة، القوة، الحركة، العاطفة، التّضحية…
نسيت: نسيان، ترك، تخلّي، رحيل، هجرة، إرادة، مجبر، دون قصد، إرادة، صلابة، قوة، قدرة…
بوحها: كلام، مشاعر، إشارة، علامة، ومضة، صمت، صوت، موجة، ذبذبات، فكرة…
على الشاطئ: مكان، رمال، أحجار، أصداف، مد وجزر، ترفيه، سعادة، حزن، أمل، اتساع، ذهبيّ، صخور..

الومضة الثّانية:

أنتظر شمسًا

كي أستعيد ظلّي المغدور

أنتظر: الانتظار، الوقت، الفراق، الأمل، اللحظة المناسبة، وهم، فراغ، قدر، فرصة، الحياة، لغة، قصيدة، امرأة، حبيبة، الضوء، الفجر، يوم جديد..
شمسًا: امرأة، قصيدة، ضوء، ومضة، احتراق، أصفر، حياة، طاقة، قوة، دفء، انكسار، نار، رماد، موت، حياة…
استعيد: استرداد، حقّ، أمانة، قوة، سلام، احتلال، عبودية، حرّيّة…
ظلّي: انعكاس، صورة، انسان، خيال، وهم، شكل، حدود، مسطح، متعرج، حقيقي، فارغ، فراغ، متغير، غدر، وفاء، التزام، التصاق، هروب، تمدد…
المغدور: ضحية، كره، ضعف، خطف، قتل، سرقة، ضوء، النهار، اللّيل، الانحناء…

خلاصة القول، تحمل التركيبة الفيزيائية للموجة تطابقًا مع تركيبة الضوء، فنستنتج أن الومضة هي ضوء في علم الفيزياء، ومع كلّ التقاء بين الكهرباء والمغناطيس في أي زمكان تستطيع الومضة أن تنتج ضوءًا جديدًا لأن نتيجة هذا الالتقاء هو ولادة لموجة جديدة، وفي مقارنتها مع الومضة الأدبية، تحمل الومضة الأدبية عناصر الومضة الفيزيائية نفسها (موجة كهرومغناطيسية/ موجة عقل وقلب)، وهذا يحيلنا إلى الاستنتاج بأن الومضة قصيدة كاملة، ومع كلّ التقاء بين العقل والقلب عند المتلقي لهذه الومضة في أي زمكان سينتج عن هذا التقاء قراءة جديدة. وهذا في النهاية يعطيها صفة الديمومة وإمكانيتها بتجديد نفسها بنفسها في أيّ مكان وزمان بضربٍ من الاحتمال، لأن موجة الاحتمالات ستولد تلقائيًّا.

1 – فراج ماجدة، الضّوء في الفيزياء تعريفه وخصائصه، موقع موسوعة، الموسوعة العربية الشاملة، 5 سبتمبر 2019.
2 – تر: أمين يوسف، موقع الباحثون المصريون، 18 يونيو 2018.
3 – مقال»الكترون»، مجلة المعرفة، 8 فبراير 2019.

*الأدب الوجيز

ليست هناك تعليقات:

جديد الموقع

#صباحكم_ومضة

اقرأ أيضًا

الأكثر مشاهدة